الاثنين، 26 مارس 2012

نظام السعودة ضررٌ على الوطن والمواطن - الهيئة الملكية للتأهيل العلمي بديلاً-



عبد العزيز الدخيل - صحيفة الشرق 
نعم هذا ما أقوله ويمكنك قراءة العنوان ثانيةً، نظام السعودة ضررٌ على الوطن والمواطن. هذه المقولة ليست جديدة، فقد قلتها وكتبتها منذ سنين وعبر كل وزراء العمل المعنيين بنظام السعودة وعناوينه وأشكاله المختلفة. والغريب في الأمر أن أياً من هؤلاء الوزراء، رغم أن من بينهم المرحوم الدكتور غازي القصيبي بفكره المستنير وثقافته العالية، ومنهم وزير العمل الحالي بفكره وتجربته الناجحة في القطاع الخاص، إلا أنهم لم يستطيعوا الخروج من نفق البحث عن وظائف متدنية لرفع مستوى العمالة السعودية التي لم تكمل تعليمها لأسبابٍ مادية أو اجتماعية، وهم الغالبية، أو لأن مؤهلاتهم الجامعية لا تتناسب مع المتطلبات الفنية والتقنية للوظائف ذات الإنتاجية العالية والدخل المرتفع. ظلّ الوزراء يدورون في حلقة مفرغة ومن برنامج إلى آخر لا تتعدّى أهدافه وطموحاته توظيف الشاب أو الشابة السعودية، معقباً أو عامل سنترال أو بائعاً في محلات بيع الملابس النسائية أو سوق الخضار أو موظف أمن أو سائق تاكسي أو لإكمال نسبة السعودة. يقول معالي وزير العمل، المهندس عادل فقيه، في معرض حديثه في مقعد الغرفة التجارية بجدة، تعليقاً على كفاءة العامل السعودي، مخاطباً رجال الأعمال «هذه بضاعتكم رُدّت إليكم» (الوطن 19/ 3/ 2012م – ص22). وحقيقة الأمر يا معالي الوزير أن هذه البضاعة المتمثلة في التعليم المتدني للعامل السعودي إن هي إلا بضاعة النظام التعليمي الحكومي. فالتعليم الحكومي ملأ العقول بما لا ينفع في سوق العمل.
يقول الأستاذ نادر الوهيبي، من التأمينات الاجتماعية، في ورقةٍ قدّمها في اجتماع الطاولة المستدير في منطقة عسير بتاريخ 12/ 3/ 2012م، «تزامن مع تطبيق برنامج نطاقات بروز عددٍ من الظواهر السلبية مثل معدل تسجيل السعوديين للأجور المتدنية وارتفاع في التوظيف الوهمي».
الوظائف المتدنية المرتبة والراتب لا عيب فيها، فكلها أعمالٌ شريفة والعمل أفضل من القعود، لكن مأخذي القوي هو أن برامج الدولة لتوظيف السعوديين يجب أن يكون هدفها ومسعاها دعم وتأهيل المواطن السعودي علمياً وفنياً للحصول على مستوى علمي وتقني متقدم، ليكون قادراً على انتزاع واحتلال الوظائف التقنية التي تتطلب مهارات عالية وتحظى براتب عالٍ ومرتبة عالية وفي كل القطاعات، الاقتصادية والصناعية والبترولية والزراعية والاتصالات والتعدين والبتروكيماويات والتحلية والطاقة الذريّة والشمسية والبحث والتطوير والتعليم والاختراع… إلخ. هذه هي الوظائف الّتي يجب على الدولة أن تدفع وتساند وتدعم الشباب السعودي، رجالاً ونساء، على اقتحامها والوصول إليها، ولن يكون ذلك إلا من خلال سلاح العلم والمعرفة. يقول المهندس محمد الماضي، الرئيس التنفيذي لسابك، «لابد أن يكون هنالك تضافر للجهود بين الجهات الحكومية المختلفة والشركات المنتجة والمعاهد والجامعات، بحيث تتولّى الجامعات والمعاهد توفير مخرجات للسوق قادرة على الانخراط في العمل في المنتجات المعقدة»، (الشرق الأوسط – ص 24- 13/مارس/2012م).
أين برنامج السعودة بشكله القديم أو الحديث من هذه الأهداف وهذه الوظائف؟ ولماذا ندفع بهؤلاء الشباب وهم في مقتبل العمر للوظائف الإدارية ذات الإنتاجية المنخفضة والراتب المتدني الذي يتراوح ما بين ألفين وخمسة آلاف ريال؟
الجواب الحكومي هو، من أجل تخفيض نسبة البطالة وإعطاء الشباب الباحثين عن عمل فرصة الحصول على راتب ولو كان قليلاً، فقليل الشيء أفضل من لا شيء.
عجيبٌ هذا الجواب من حكومةٍ عرف وزراؤها قيمة العلم وفائدته في الوصول إلى المناصب العليا لهم ولأبنائهم، وعجيبٌ هذا الجواب من حكومةٍ تمتلئ خزائنها في البنوك الأجنبية بالبلايين من الدولارات وعقول أبنائها فقيرة إلى العلوم الفيزيائية والكيميائية والجيولوجية والرياضية والهندسية، وكل ما من شأنه دفع وإدارة عجلة الحياة الاقتصادية المعاصرة. عجيب هذا الجواب، من حكومة أقامت اقتصاداً على أحدث طراز وتقنية. انظر حولك أينما شئت في المدن الصناعية في الجبيل وينبع، في داخل المدن، في وسائل الاتصالات، في كل شيء حولنا، وفي كل عجلة تدور في هذا الدولاب الاقتصادي الكبير، كلها تعتمد على التقنية الحديثة في أعلى مراتبها وصورها، اسألوا صندوق التنمية الصناعية الممول الكبير للصناعات السعودية: ما هي متطلبات التقنية التي يطلبها الصندوق ليكون المصنع مؤهلاً للتمويل الحكومي؟
إذن الدولة من جهة أقامت اقتصاداً يتطلب من سوق العمل أفراداً ذوي مهاراتِ تقنيةٍ عالية من أجل تشغيله وإدارته، وفي نفس الوقت تخرج إلى سوق العمل شباباً جامعياً لا ترقى مؤهلاتهم الفنية إلى جزء من متطلبات سوق العمل. يقول وزير التربية والتعليم في حفل وزارة التربية بحائل «غير مقتنعين بما توصلنا له في العلوم والرياضيات»، (صحيفة الشرق – ص 4 – 23/ فبراير/ 2012م).
حقيقة الوضع أن شبابنا وشاباتنا العاطلين اليوم عن العمل، إما أنهم لم يستطيعوا إكمال التعليم والوصول إلى الجامعة، وهؤلاء هم الغالبية، أو أنهم جامعيون تقل مؤهلاتهم العلمية بشكل كبير عن حاجة السوق.
برامج السعودة أساءت إلى المواطن السعودي والوطن، لأنها لم تأخذ بيد هؤلاء المواطنين من الشباب الذين تقطعت بهم السبل ووجدوا أنفسهم بدون عمل، وتدفع بهم في الاتجاه السليم، وذلك بإعادة تأهيلهم تأهيلاً علمياً كل حسب قدراته وإمكاناته، وأرجوك لا تحدثني عن التدريب المهني في بلادنا، فهذا جزءٌ من المشكلة وليس الحل.
إعادة التأهيل التي أعنيها هنا باختصار هي: إنشاء هيئة ملكية للتأهيل العلمي، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، يديرها مجلس من الشخصيات المحلية والعالمية ذات المعرفة والخبرة بالتأهيل العلمي والتقني. ويُرصد لها رأسمال في وقفية خاصة بها، لا تقل عن خمسين بليون ريال سعودي (تقدير مبدئي مبني على المقارنة بمدن أخرى، وتأسياً بقاعدة الاستقلال المالي، ولكن الرقم يظل تقديراً ويحتاج إلى تصويب بناءً على دراسات تفصيلية) تدفعها الدولة لصندوق الهيئة خلال خمس سنوات. يُعهد للهيئة الملكية بناء وتشغيل وإدارة مدن بها كليات علمية وتقنية على المستويات العالمية من حيث المعامل والمناهج والمدرسين في مناطق المملكة الرئيسية، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، مستعينة بإمكانات التعاون العلمي والتقني مع الدول الصناعية الكبرى ومعاهدها ومؤسساتها العلمية والمهنية الخاصة والعامة.
يُستدعى لهذه المدن كل العاطلين عن العمل لينضمّوا إليها ضمن عقدٍ للتأهيل العلمي، طرفه الأول الهيئة وطرفه الثاني الطالب أو الطالبة. ويتقاضى الملتحق ببرنامج إعادة التأهيل راتباً قدره خمسة آلاف ريال، مع تأمين السكن والعلاج الطبي له ولعائلته إن كان متزوجاً. هذه المدن في كلٍ من الشرق والغرب والشمال والجنوب هي الحواضن لتوطين التقنية والعمالة، وذلك بإعادة تأهيل المواطن السعودي من أجل إصلاح ما أفسده النظام التعليمي الرسمي. بهذا المنهج نستطيع تحقيق هدفين:
الأول: القضاء على البطالة بشكلٍ كاملٍ وسريع، فالمدن العلمية بكلياتها المختلفة سوف تستوعب جميع السعوديين العاطلين والباحثين عن عمل، فالحوافز المالية والدراسية التي يقدمها هذا البرنامج أفضل بكثير مما تقدمه برامج السعودة أو يعرضه عليهم سوق العمل.
الثاني: تأهيل الشباب السعودي الباحثين عن العمل تأهيلاً علمياً، ونقلهم من برنامج السعودة الذي يدفع بهم إلى أعمال ذات مردودٍ وإنتاجٍ منخفضين إلى الخطة الوطنية للتأهيل العلمي، التي ستؤهلهم علمياً وتقنياً وتجعلهم قادرين على الاستحواذ على الوظائف التقنية والإدارية والمالية المهمة، بقدراتهم الذاتية وكفاءتهم الإنتاجية، دون الحاجة للوقوف أياماً وشهوراً على أبواب برامج السعودة لكي تبحث لهم عن شاغر هنا وهناك بالترغيب أو الترهيب. الشباب السعودي لا يقل في قدراته وملكاته العقلية عن أي من البشر، كل ما يريده من الدولة هو سلاح العلم والمعرفة، وهو كفيل بعد ذلك بإكمال المهمة. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق