الاثنين، 22 أكتوبر 2012

ندوة ساخنة بتونس حول دور المؤسسة الدينية في الحكم بالسعودية



تونس - شكل دور المؤسسة الدينية في الحكم بالسعودية محورا ساخنا للنقاش في ندوة الدين والدولة في الوطن العربي التي ينظمها مركز دراسات الوحدة العربية منذ يوم الاثنين بمدينة الحمامات التونسية بمشاركة عشرات من المفكرين والباحثين العرب.

وقال سيف ان السعودية تشكل حالة خاصة في العلاقة بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية كون الدولة لم تنشىء المؤسسة الدينية، ولا هي ورثتها كما هو الحال في معظم الدول الأخرى على العكس فإن النخبة الدينية شاركت السياسيين في إقامة الدولة والمحافظة عليها لزمن غير قصير وهو ما يفسر اختلاط الخطاب الديني بالسياسي، وعدم تقبل رجال الدين لبعض المظاهر التي توصف بأنها 'علمانية' في مؤسسة الدولة أو حياة رجالها وسياساتهم.
واوضح الباحث السعودي ان عدد الوظائف الدينية أو التي تخضع لإشراف رجال الدين في المؤسسة الرسمية اكثر من ربع مليون وظيفة، أي نحو 25 بالمائة من إجمالي الوظائف الحكومية في 2008 وعينت وزارة الأوقاف 140 ألف مؤذن وإمام مسجد كموظفين متفرغين سنة 2010 ويصل عدد المساجد إلى 72 ألفاً وتدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 470 مكتباً في أنحاء البلاد يشغلها نحو 4400 موظف.
وقال الدكتور توفيق سيف ان هذا الحشد من الوظائف والموظفين في المجال الديني يجعل المؤسسة الدينية الرسمية التي انبثقت 1961 شريكا للعائلة الحاكمة في تدبير الدولة وتوجيهها الا ان المؤسسة الدينية ومؤسسة الدولة غفلت عن التحولات التي مرت بها البلاد والمنطقة وظنت أن جوهر المشكلة يكمن في 'أشخاص' المديرين وأصحاب القرار، بتمسكها بإدارة تعليم البنات مثلاً قامت على تصور تقليدي يعتبر المرأة فتنة، تقتضي الضرورة إيكالها إلى جهة 'أمينة' كي لا تتسبب في الفساد. كذلك الحال مع الجهاز القضائي، الذي بدلاً من العمل الجاد لتطويره وجعله أكثر تحقيقاً للعدالة، تمحورت جهود رجال الدين في الاحتفاظ به تحت سيطرتهم.
وقرأ سيف في 'مذكرة النصيحة' 1992 الاحتجاجية- التي يفترض أن تمثل ذروة نضج التيار الديني المسيس ـ انها تقدم نفس المعالجات وتتبع نفس المنهج، أي تفسير مشكلات البلد باعتبارها ثمرة ابتعاد الدولة والمجتمع عن الدين، وتبعاً لهذا، فإن العلاج يتلخص في تعزيز إشراف رجال الدين على كل القطاعات لان واضعي المذكرة لم يروا مشكلة في فلسفة الدولة ولا منهج الإدارة بل في الإداريين الذين لن يتصفوا بالأمانة، ما لم يكونوا رجال دين أو خاضعين لإشراف رجال الدين فأضاعوا وقتاً غالياً في تتبع الأمثلة الصغيرة وغرقوا في الجزئيات ـ كما أشار سلمان العودة ـ على حساب الكليات.
ويرى ان العلاقة بين المؤسسة الوهابية والدولة السعودية مرت بخمس مراحل بدأت في 1961 وشهدت تحوُّلاً في الزعامة الدينية من صورتها القديمة إلى مؤسسة منظمة وقوية، والثانية، بدأت في 1979، وشهدت ظهور جيل جديد من الاتباع والزعماء، وتحول السياسة إلى انشغال يومي، كانعكاس للثورة الإيرانية، احتلال الحرم الشريف، الجهاد الأفغاني، وتأثير الحركيين العرب مع اتساع نطاق الجدالات حول شرعية الدولة وعلاقتها بالدين ومطابقتها لنموذج الحكم الصالح وتوسع التيار الديني السلفي خارج نطاق بيئته الاجتماعية الأصلية (وسط نجد) بانضمام آلاف من الريفيين المهاجرين.
وبدأت مع دخول العراق للكويت في 1990 المرحلة الثالثة التي شهدت تحول التساؤلات السابقة إلى اتهام للدولة والنخبة السعودية بالضلوع في مؤامرة غربية للسيطرة على المجتمعات المسلمة مما ساهم في إبراز الجيل الجديد من رجال الدين كموجهين للرأي العام ومتحدثين في السياسة وظهور 'تيار الصحوة' قبل اعتقال معظم عناصره في 1994 ليتغير اتجاه التيار الديني من حارس للدولة إلى ناقض لشرعيتها.
المرحلة الرابعة بدأت مع هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001 وكان أبرز التحولات فيها هو قرار الدولة بتفكيك مصادر قوة التيار الديني، التي تمكنه من لعب أدوار سياسية أو تعبوية. وتأثر بهذا القرار جميع فصائل التيار بما فيهه المؤسسة الدينية الرسمية والطيف التقليدي التابع للدولة. وتبلورت معالم المرحلة الخامسة مع اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، وأبرز تجلياتها ظهور تيار التنوير الذي يتنكر صراحة للسلفية التقليدية مثلما يتنكر لخطاب 'الصحوة' ويتبنى الديمقراطية كنموذج أصلح للحكم ويدعو إلى الانتقال من الحكم المطلق إلى ملكية دستورية، حسب بيان 'نحو دولة الحقوق والمؤسسات' الذي يعتبر علامة فارقة في تاريخ الدعوات الإصلاحية في المملكة.
وترى الجامعية والباحثة السعودية الدكتورة مضاوي الرشيد ان من أهم سمات المجتمع السعودي اليوم انشطاره وانقسامه على ذاته تحت سيطرة الحكم التسلطي الذي نجح، حتى هذه اللحظة، في نفي الخطاب الإصلاحي والحراك السياسي، واستبدال هذا الحراك بحروب ثقافية تتمركز بها مشاكل الهوية والاختلاط بين الجنسين، ومخاوف الغزو الثقافي الخارجي، ورفض التعددية المذهبية والمناطقية وحتى الثقافية. فتأجل ملف الإصلاح السياسي في ظل طفرة نفطية آنية، ورغم الفقر والبطالة والاعتقال وتهميش المرأة وقمع الأقليات والاعتقالات في صفوف الأكثرية لم يتحد المجتمع السعودي بعد على سلسلة من المطالب الإصلاحية السياسية.
كما يتميز المجتمع السعودي حاليا ليس فقط بإبعاد الشباب عن الساحة السياسية والجدل الإصلاحي، بل تجريم الشباب واتهامه وإشغاله بالوظيفة والاستقرار الحياتي والمعيشي مما أجل المواجهة بينه وبين النظام، من جهة، من جهة ثانية، وبينه وبين مجتمعه الذي يشترك مع النظام في تهميشه وتجريمه.
وقالت ان اعتماد التيار السعودي الحداثي على مرجعية الإسلام العربي لا ينفي حرية الفرد والاختيار، كذلك رغبته في المزاوجة بين الحداثة والإسلام؛ فهو يصبو إلى مجتمع (مسلم ـ ديني) ودولة مدنية في آن واحد. والحاضنة الأولى له مساحات التواصل الاجتماعية الجديدة وشلل الشباب المتجددة ومقاهي المراكز التجارية المتشعبة، وهذه المرحلة التي قد يطلق عليها ما بعد الإسلاموية، لن تكون نهاية للتيارات الإسلامية بل هي بداية لمشروع مخضرم يفسح المجال للشبيبة للانخراط في العمل السياسي دون طرح خيارين منفصلين لا يلتقيان: خيار العلمانية، بنمطها الغربي، وخيار الإسلاموية المطيعة والمدجنة أو الثائرة العنيفة.
وتعتقد مضاوي الرشيد إن كان هناك خطرٌ على النظام السعودي، فهو لا يأتي من القيادات القديمة الإسلامية، أوالتيار الجهادي العنيف، بل من تجارب المجتمعات العربية ما بعد الثورة المتمثلة بتيار 'الإخوان المسلمين' المصري، وفروعه العالمية، ومن التيار السلفي الذي بدأ يتعاطى مع الديمقراطية والتعددية ويدخل في نطاقها وينخرط في مؤسساتها.
وكلاهما تياران محاصران في السعودية لأن النظام انتبه إلى خطر الشرعية الإسلامية، المطعمة بخطاب الحقوق المدنية والسياسية، وإيجابيات الحراك السياسي السلمي. وحتى هذه اللحظة، يحاصر النظام السعودي هذه التيارات القديمة المتجددة حتى لا يفقد السيطرة على خطابه الذي احتكر الإسلام لمدة أكثر من 80 عاماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق