الخميس، 22 مارس 2012

كليات البنات..آلام عند البوابة



أبرز الأخطاء البنيوية التي وقع فيها التعليم الجامعي النسائي أنه انشغل بالسلوكيات والرقابة والأخلاق أكثر من انشغاله بالتعليم، مع العلم أننا نتحدث عن فتيات راشدات، ومع أن التربية وتقييم السلوك من مهام الأسرة والمراحل الدراسية المبكرة
مضى فصل دراسي على تخرجها في الجامعة، لكنها لا تكاد تحمل سوى القليل من الذكريات الإيجابية بعد أربع سنوات قضتها أسماء طالبة في كلية للبنات، تتلخص ذكرياتها الإيجابية في الصداقات والالتقاء اليومي بزميلاتها، عدا ذلك فأكثر ما في الكلية يجعلها ترى في تخرجها مجرد راحة حقيقية من بعض المظاهر التي ظلت تعايشها طيلة تلك السنوات.
الآن ومع هذه المطالبات التي ترفعها طالبات كليات البنات في كثير من مناطق المملكة، يبدو أن أسماء ليست وحدها التي تعايش كثيرا من الألم والمتاعب وهي تطوي سنواتها في مؤسسات تعليمية تخلت عن دورها الجامعي وشخصيتها الجامعية لتتحول إلى شيء أشبه ما يكون بمدارس للكبار، ولو تتبعنا مختلف المطالب التي تتوارد على ألسنة الطالبات لوجدنا أننا أمام حقوق أكثر من كوننا أمام عمليات إصلاح أو تطوير. بمعنى أنهن يبحثن عن تعليم جامعي حقيقي. لكن ما الذي أوصل مؤسسات التعليم الجامعي النسائي إلى هذا الواقع الذي بات فيه البحث عن النظافة ودورات المياه والخلاص من الاستبداد الإداري والحصول على تعليم مناسب وغيرها من الحقوق مطالب صاخبة ومدوية؟
من أبرز الأخطاء البنيوية التي وقع فيها التعليم الجامعي النسائي أنه انشغل بالسلوكيات والرقابة والأخلاق أكثر من انشغاله بالتعليم، مع العلم أننا نتحدث عن فتيات راشدات، ومع العلم أيضا أن التربية وتقييم السلوك هي من مهام المنزل والأسرة والمراحل الدراسية المبكرة. بالتأكيد أن هذا الواقع مرتبط بثقافة اجتماعية وبواقع اجتماعي يميل للمحافظة في كل ما يتعلق بقضايا المرأة وشوؤنها وتطور دورها في المجتمع، لكن مؤسسات التعليم الجامعي في كل العالم هي التي تقود المجتمعات للتخلص من بعض أنماطها المعقدة والتقليدية نحو تعزيز واقع متمدن وجديد للمحافظة والالتزام والسلوك المدني.
التفتيش الذي تتعرض له الطالبات الجامعيات أمام البوابة يكشف جانبا مهما من فهم مؤسسات التعليم الجامعي النسائي لدورها، وهو أمر لا نظير له في كل جامعات العالم ولا في كليات البنين في المملكة، ولا في معظم الكليات والجامعات الأهلية، وأسوأ ما في تلك العملية أنها تجعل الطالبات في مناخ رقابي صارم لا يقيم أي اعتبار للمرحلة التي تعيشها الطالبة، ومع ما في ذلك التفتيش من ارتباط بواقع اجتماعي إلا أن المجتمع وفي كثير من تجمعاته النسائية قد تخلى عن ذلك، فلقد تراجع الذعر الذي كانت تشهده قصور الأفراح حين ظهر الهاتف الجوال المزود بكاميرا، وبات أمرا عاديا ومألوفا. يتكاتف التفتيش مع حالة التعقيد القصوى في خروج الطالبات من الجامعة قبل الثانية عشرة ظهرا، إذ تحتاج الطالبة لبطاقة موقعة من ولي أمرها تبرزها عند البوابة فيما لو انتهى يومها الدراسي قبل ذلك التوقيت. إضافة إلى التشديد على قضايا اللباس، واستخدام الإنترنت وغيرها. كل تلك المظاهر منحت كليات البنات دورا سلوكيا ورقابيا جعلها تنشغل عن دورها التعليمي والأكاديمي، وهو ما جعلها تنشغل أيضا عن الاهتمام بمختلف العوامل التي تلبي احتياجات الطالبات من نظافة ومرافق، بل وأوجد مدخلا للفساد الإداري والمالي في بعض الكليات من خلال ما تشهده عقود الصيانة من إخلال وتقصير في التنفيذ.
الذين يتولون المسؤوليات في مؤسسات تجعل من دورها الرقابي والسلوكي أولوية يجدون أكثر من مدخل للفساد والتسلط، وأبرز دليل على ذلك معاناة الطالبات من الأسعار المرتفعة في مراكز خدمات التصوير، وفي البوفيهات داخل الكليات. لقد نجحت بعض كليات البنات في بعض المدن المركزية في التخلص من بعض مظاهر التسلط، وفي الرياض وجدة والدمام يمكن القول إن واقع كليات البنات أفضل بكثير من غيرها في مدن الأطراف.
لم تستوعب كليات البنات أنها تتعامل مع جيل في وسط مليء بالتحولات، فطالبات اليوم لسن كسابقاتهن منذ عشر سنوات، وهو واقع يجب أن تتنبه إليه وزارة التعليم العالي جيدا، وهي الوزارة التي استطاعت إدارة كثير من مشاريعها باقتدار ونجاح، عليها الآن أن تواجه فكرة أنها أهملت كثيرا رسم شخصية إيجابية لكليات البنات، وأنها مطالبة بصياغة واقع جديد لكليات البنات يلبي مختلف التحولات الاجتماعية والثقافية، واقع يبدأ من البوابة وصولا إلى حفلات التخرج.
يحيى الأمير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق