الجمعة، 18 مايو 2012

قضية حقوق أم مغالطات أم انتقام؟

نشر المقال في صحيفة أنحاء للكاتبة : مـــهــا نـــور

=================================
سأحاول أن اكون منصفة في مقالي هذا عن خطاب منال الشريف الأخير!
أقول (سأحاول) لأن منال لم تترك لنا الكثير من الخيارات! فهل من الإنصاف أن ننصف منال الشريف و هي لم تنصفنا؟ و سأوضح ذلك في سلسلة مقالات أتناول في كل واحد جانبا من جوانب خطابها.
كنتُ و ما زلت مع قضية القيادة للمرأة في السعودية فهو حق بديهي خصوصا في ظل عدم وجود وسائل مواصلات سهلة و آمنة للمرأة التي باتت اليوم تحمل المسؤولية مناصفة مع الرجل في معظم أمور الحياة!
كنتُ و لا زلت (ربما أكثر من السابق) ضد الخطاب الذكوري الظالم و الذي لا يرى في المرأة سوى جسد فاتن و كائن يجب أن يظل حبيس البيت حتى لا يسبب فتنة للرجل!
لماذا إذن أجد صعوبة في تناول خطاب منال الشريف بإنصاف و هي من كسرت قيد الخوف من قيادة السيارة للمرأة؟
و لكن...لحظة!! ما علاقة قيادة السيارة بمنال الشريف و بخطابها الأخير؟
لم أعد أر أي علاقة!
و أتساءل...هل تتذكر منال نفسها أن قضيتها الاساسية هي القيادة؟ أو بالأصح هل باتت تدرك أنها انحرفت تماما عن مسار القضية الأصلية التي ساهمت في أن تكون هناك (منال الشريف) على الساحة السعودية الفكرية؟ ماذا تريد منال بالضبط؟ القيادة؟ حقوق المرأة أم سرد التاريخ السياسي (المخجل بحسب خطابها) للدولة السعودية منذ أيام جهيمان؟
و دعوني لا أنجرف وراء تساؤلاتي و تحديد ماهية قضية منال الحقيقية...دعوني أقتبس مقتطفات من خطاب منال...
تقول منال في بداية حديثها عن قصتها:
"بعد حادثة جهيمان أصبحت السلطات السعودية قلقة جدا حيال ظهور المتشددين و المتطرفين حيث كانت في عام 1979 لا تزال دولة حديثة في بداية تكوينها و كانت تتطور و تتغير بسرعة لتتماشى مع الحياة المدنية الحديثة و كان ذلك الأمر ضد معتقدات المتطرفين و حينها اضطرت السلطات السعودية أن تخضع لذلك و تتبع المتشددين حتى تتجنب حوادث أخرى مشابهة لحادثة جهيمان! و بدأت السعودية بالعودة للوراء!"
و تضيف منال:
و لم تعد السعودية تسمح بالحريات (اللا اخلاقية) التي كانت أمرا مقبولا في السنوات الماضية قبل جهيمان! و بعد أسابيع من حادثة جهيمان تم منع المذيعات من العمل و منع صور النساء من الظهور! و تم حصر توظيف المرأة في شيئين: التعليم و الرعاية الصحية! أقفلت (دور) السينما و الموسيقى تم منعها و تم الفصل التام بين الجنسين بالإكراه في المدارس و المستشفيات و المكاتب و حتى في بيوتنا! فأصبح كل منزل في السعودية له مدخلين: مدخل للرجال و للنساء!"
و هنا أقف مذهولة يملؤني الشعور بالذنب!! اكتشفت أنني لستُ سعودية يا جماعة و قد كذبت عليكم طوال السنين الماضية، فالسعودية التي تتحدث عنها منال في السبعينات و ما بعدها ليست السعودية التي كنتُ أعيش فيها! ربما كنتُ أعيش في بلد أخرى فيها ما ذكرت منال!
لقد عشتُ في نفس الوطن الذي عاشت فيه منال و مع ذلك لم أر ما رأته! ربما كنتُ عمياء!
و لكن....دعوني أذكر لكم حقائق (يمكنكم التثبت منها) عن السعودية من بعد حادثة جهيمان و سوف أقسمها إلى قسمين: شخصي و عام.
على المستوى الشخصي، كانت والدتي المولودة في الخمسينيات تدرس الماجستير على حساب الدولة السعودية في ولاية دنفر الأمريكية في نفس فترة جهيمان ما بين عام 1979 إلى 1981 م.
و عندما عدنا إلى السعودية (بعد حادثة جهيمان بفترة) كانت والدتي تخرج ببالطو كحلي أو بيج مثلها مثل كثير غيرها من نساء مكة و جدة. و أذكر أنها ذات مرة فصلت بالطو أخضر زيتي أنيق جدا كلفها حوالي 800 ريال و هو مبلغ كبير في ذلك الزمن بالنسبة لبالطو للحجاب!
بعد حادثة جهيمان أيضا عادت والدتي لتجد كلية التربية للبنات بمكة تطلبها لتعمل عندها لرغبة الحكومة في توظيف المزيد من السعوديات آنذاك!
أما على المستوى العام في السعودية بعد جهيمان، فقد كانت هناك أسماء نسائية لامعة مثل الأستاذة نوال بخش التي كان لها برنامج إذاعي و تلفزيوني و الأستاذة سلوى شاكر و الكاتبة الصحفية ثريا قابل. و في عام 1980 (أي بعد حادثة جهيمان بعام) تولت الأستاذة فاتنة أمين شاكر منصب تحرير مجلة سيدتي و كانت أول سيدة سعودية تتولى منصبا كهذا! و تبع ذلك سيل من الصحفيات و الكاتبات السعوديات المميزات!
و قد شهدت الثمانينيات تحديدا حراكا كبيرا جدا فيما يتعلق بتعليم المرأة حيث كان هناك نهر من السعوديات اللواتي بدأن دراسة الماجستير و الدكتوراة سواء في المملكة أو في خارجها و في مختلف التخصصات!
و لا يمكن أن ينسى أي سعودي المسلسل الأشهر الذي كان يعرض على التلفزيون السعودي: مسلسل أصابع الزمن الرائع الذي كان من تأليف و تمثيل الفنان السعودي محمد حمزة بمشاركة عدد من فنانات مصر الرائعات و على رأسهن الفاتنة نسرين التي كانت تظهر في المسلسل بكامل زينتها و بدون حجاب! و قد كان ذلك في بداية الثمانينيات ...أي بعد حادثة جهيمان!
و لا يمكن لأي سعودي أن ينسى رائعة محمد عبده "فوق هام السحب" التي كنا نتمايل طربا عند سماعها في الثمانينيات في كل مناسبة! و لا ينسى أي سعودي أغاني خالدة مثل "الله الله يا منتخبنا" و أغنية "يا ناس لأخضر لا لعب" و أغنية "جاكم الإعصار" التي كان الشارع السعودي بأكمله يتراقص فرحا لسماعها و لم أذكر أن أحدا حرمنا الفرحة و الاحتفال و الرقص في عام 84 !!
الثمانينيات (بعد جهيمان) كانت أيام فرح لكل سعودي! كانت فترة ذهبية و لا يوجد سعودي يمكنه أن ينكر ذلك!
و صحيح كانت هناك فترة صحوة دينية متشددة لكنها كانت دوما تقابل بردود أفعال قوية في المجتمع المكي و الجداوي، و لم تخضع الدولة السعودية لحكم المتطرفين و الدليل أننا جيل السبعينات و الثمانينيات أفضل من يتذوق الغناء و الفن إذ لدينا محصول وافر و مشرف من الذكريات الجميلة مع أغاني محمد عبده و طلال مداح رحمه الله و عبادي الجوهر و على عبد الكريم! و أيضا نساء اليوم الرائدات هن نتاج السبعينيات و الثمانينيات!
و لم تكن هناك (دور) سينما، بل كانت واحدة في جدة و هي التي تم إقفالها!
أما عن فصل الجنسين في المدارس، فلم يكن هناك يوما مدارس مختلطة في السعودية قبل جهيمان و هذه مغالطة واضحة للتاريخ من قبل منال!
مسألة فصل الجنسين في البيوت أمر في غاية السخف و الاستخفاف بالناس! عزيزتي منال، كلنا كنا نعيش في نفس البلد الذي تتحدثين عنه، فعن أي فصل في البيوت تتحدثين؟
لقد عشت سنوات طفولتي و مراهقتي في فيلا في مكة و لم يكن لها سوى مدخل واحد للجميع! و كذلك بيوت أقاربي كلها في مكة و جدة لم يكن فيها سوى مدخل واحد و أحيانا مدخل خلفي يؤدي للخزين أو لغرفة السائق و ليس للنساء أبدا!!
ما سبق كان توضيح للحقائق التاريخية و التي لم تكن منال منصفة و لا أمينة و لا دقيقة أبدا في نقلها للغرب الجاهل بتاريخنا، بل إن منال قد لعبت لعبة كريهة جدا اسمها الاقتباس من خارج النص أو تجزئة الأحداث بحسب ما يدعم هدفها و فكرها!
و قبل أن أتحدث عن الطعن في الدولة السعودية الذي حدث من قبل منال، دعوني آخذكم في وقفات قصيرة في تاريخ منال الشريف نفسها: منال الشريف تلك الشابة "المضطهدة" كما تزعم و التي وقفت أمام العالم لتشكو لهم قهرها و قصة انتصارها على نظام سياسي و ديني يقمعها مما جعلها تتمرد و تطالب بحريتها!
شباب منال البائس المقهور بالتطرف الديني الذي تحدثت عنه في أوسلو كان عبارة عن الآتي:
حصلت منال الشريف على المركز الثالث على منطقة مكة المكرمة التعليمية – الكفاءة المتوسطة عام 1994!
حصلت على جائزة المركز الأول للمرحلة الثانوية على منطقة مكة المكرمة عام 1997!
حصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى و درع التفوق – بكالوريوس علوم الحاسبات من جامعة الملك عبد العزيز بجدة عام 2002!
و حصلت على عدد كبير جدا لا حصر له من الجوائز التقديرية من شركة أرامكو و غيرها!
هذه هي السنوات (غير الجديرة بالذكر) على حد قول منال في خطابها!
كانت سنوات تفوق و انجاز بالنسبة لمنال لكنها اختارت أن لا تذكرها في خطابها و اكتفت بأن تذكر (فصلين من حياتها): مرحلة جهيمان و مرحلة القيادة! اما السنوات الطويلة التي بين المرحلتين فقد ذكرت أنه لم يحدث فيها شيء يستحق الذكر في بلد مثل السعودية "حيث لا يحدث الكثير!"
منال في خطابها بدت ناقمة على شيء هي نفسها لا تعرفه! فتارة نجدها ناقمة على الدين و تارة نجدها غير قادرة على التفريق بين العادات و بين الدين!
و تارة أخرى نجدها ناقمة على السلطات السعودية!
منال الشريف بدت للغرب تشكو من دولة فرضت سلطتها و قهرها عليها و المفارقة غير الطريفة في الأمر أن الدولة التي تشكو منها منال هي نفس الدولة التي تعطيها راتبا يزيد عن 20000 الف ريال في أرامكو! و هي نفس الدولة التي كرمتها و قدرتها في سنوات مراهقتها و شبابها كما ذكرتُ سابقا!
و لكن علاقة منال الشريف بالدولة السعودية حكاية أخرى!
و للحديث بقية.... إن سُمِحَ لي بالكلام!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق